تونسيون
على طريق القدس

عشق القدس وفلسطين كان للتونسيين فيه نصيب وحكايات وإرث طويل من التضحية والدم والفداء. وحين تتحدث عن "تونسيين على طريق القدس"، فعلى كلماتك أن تتطهر من كل معاجم العبارات الجاهزة، والمصطلحات المقولبة، وأن تغتسل من رجس الكتابة المناسباتية التي تختزل تلك الأيقونات الأسطورية في صورة نمطية أشبه بالفلكلور.

قافلة من التونسيين حملوا مشاعل الثورة والمقاومة، وأسهموا كل من موقعه وقدراته، في الجهد الفدائي والمقاوم، سواء على الصعيد الفكري، أو التعبوي الجماهيري، أو العمل المسلح، فضلا عن "الجهاد العلمي" بما حققه من طفرة تكنولوجية، أسهمت في ردم هوة التفوق التي ميزت الاحتلال طوال عقود

جسر
بين شهيدين

ثمة رابط تاريخي رمزي ومنطقي يجمع ما بين الشهيدين محمد الزواري وميلود نومة، فكلاهما يعدان من أبرز المساهمين في تطوير مشروع العمليات الجوية للمقاومة الفلسطينية، فإذا كان الأول لعب دورا محوريا في بناء الجيل الثاني لهذه "القوة الجوية"، معززة بالتكنولوجيا التي مكنتها من التحليق دون طيار، فإن الثاني قاد أولى عمليات الجيل الأول لهذا "الجناح الجوي" العملياتي للمقاومة في ما عرف بـ"ليلة الطائرات الشراعية".

محمد الزواري

مهندس المسيرات

يصف بعض المختصين في حركات المقاومة الفلسطينية، أن عملية “الطائرات الشراعية”، شكلت جسرا إنسانيا وزمنيا بين مقاومين تونسيين، فما بدأه الشهيد ميلود نومة بإمكانيات تلك المرحلة، تلقّفه الشهيد المهندس محمد الزواري، بعبقريته العلمية، لينطلق منذ عام 2006، في وضع اللبنات الأولى لمشروع “المسيّرات القسامية”، التي اخترقت سماء المحتل.

طائرة الزوراي ينتسب محمد الزواري إلى أسرة محافظة من مدينة صفاقس، حيث ولد سنة 1967، وهو ما أضفى على شخصيته مزيدا من التدين والاجتهاد العلمي والتفوق الذي جبل عليه منذ طفولته.

انتسب الزواري خلال دراسته الجامعية بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، إلى الاتحاد العام التونسي للطلبة، حيث عرف بنشاطه الطلابي الكثيف، ما عرضه للمضايقات والملاحقات الأمنية من قبل نظام بن علي، الأمر الذي دفعه سنة 1993 إلى التنقل سرا إلى ليبيا، ومن ثم إلى سوريا.

عمل الشهيد المهندس التونسي في المنفى قرابة 20 سنة، وانتسب سنة 2006 إلى حركة حماس، إلى جانب ثلة من العقول التي دشنت مرحلة جديدة في العمل المقاوم، بهدف تطوير إمكانيات المقاومة العسكرية والتكنولوجية.

أشرف الشهيد الزواري في خضم هذه الجهود على مشروع صناعة المسيرات، وهو حلم طالما راوده، وسعى إلى تجسيده، منطلقا لتأسيس "جناح جوي" للمقاومة. سنة 2011، وعقب انتصار الثورة التونسية، عاد المهندس الزواري إلى تونس، ليستكمل تخصصه بالمدرسة العليا للمهندسين، ويكلل مساره العلمي بنيل شهادة الهندسة في 2013، أما مشروع التخرج فتمحور حول صناعة طائرة دون طيار، فكان بمثابة دلالة رمزية على تتويج حلم القوة الجوية للمقاومة بالإنجاز.

سنوات من البحث والتطوير الدؤوب والعمل تحت قواعد صارمة من السرية التي تفرضها طبيعة المشروع، ومنظومات الأمن داخل حركة حماس وكتائب القسام، كللت بانطلاق أولى "طائرات الأبابيل" منتصف عام 2013 في سماء غزة، قبل أن تدخل إلى المواجهة مع الاحتلال بعد ذلك، خلال العدوان على القطاع صيف 2014.

حلّقت مسيّرات “أبابيل” و”الزواري” بعد ذلك بسنوات في سماء فلسطين، محمّلة بأحلام مهندس وشهيد تونسي "فوق العادة"، حمل مشروع المقاومة على جناحي الإرادة والمعرفة، حتى تكلّل صبره وجهده نصرا مؤزرا وإعجازا علميا، سيظل ينبض بإرث تونسي في "عشق فلسطين حتى الشهادة".

محمد الزواري

صانع مسيرات أبابيل والزواري

شاهد الفيديو
Photography
ميلود نومة

الطيّار الشراعي المشتبك

في حياته القصيرة بالمعايير الدنيوية، والتي لم تتجاوز 32 ربيعا، شكلت فلسطين محور رحلة الشهيد ميلود نومة ، وبوصلتها منذ انتسابه إلى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة" سنة 1978 إلى غاية استشهاده في 1987.

ميلود وطائرته الشراعية ترجع أصول "أبو علي التونسي"، كما عرف بين رفاق السلاح، إلى مدينة مدنين عروس الجنوب التونسي، أين أبصر النور سنة 1955، في عائلة متواضعة الحال، ما أجبره على الانقطاع عن التعليم بعد المرحلة الابتدائية، والعمل في الفلاحة والبناء لمساعدة أسرته.

جاء سفر ميلود إلى ليبيا سنة 1974 للعمل في قطاع البناء على غرار آلاف من التونسيين، ليشكل "المنعطف إلى فلسطين" في مسيرته، بعد تعرفه على عدد من النشطاء الفلسطينيين المنتمين إلى بعض الفصائل التي كانت تحظى بدعم نظام العقيد معمر القذافي.

انتسب الطيار الشراعي الشهيد، إلى فصيل القيادي الفلسطيني أحمد جبريل، رسميا سنة 1978 بعد زيارة قصيرة إلى تونس، وخاض التدريب العسكري عدة سنوات في صفوفها.

كانت "عملية قبية" بتفاصيلها الجريئة التي وضعها قسم التخطيط والعمليات بالجبهة، “رحلة بلا عودة”، وهجوما انغماسيا داخل عمق العدو باستخدام الطائرات الشراعية، ما جعل المكلفين بتنفيذها “مشاريع شهداء”، خيارهم الوحيد القتال حتى الطلقة الأخيرة.

ليلة الخامس والعشرين من نوفمبر 1987، وثبت 4 طائرات شراعية مزودة بمحركات خفيفة، من وادي البقاع اللبناني، باتجاه الأراضي المحتلة.

حلّقت الطائرات في علو منخفض، مسافة عدة كيلومترات من أقصى الجنوب اللبناني إلى شمال فلسطين المحتلة، تجنّبا لرصدها من رادارات الاحتلال، وبينما تمكّنت طائرة الشهيد السوري خالد أكر من بلوغ ”معسكر غابور“ لوحدات النخبة بقوات الاحتلال، سقطت طائرة الشهيد ميلود نومة عند المنطقة العازلة بين جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة.

نتيجة التواء كاحله خلال الهبوط، لجأ "أبو علي التونسي" إلى الاختباء مترقبا وصول دوريات لقوات الاحتلال أو ”جيش لبنان الجنوبي” العميل، وفور اقترابهم، بدأ في إطلاق النار، فأصاب منهم وأثخن، فقتل 5 جنود وأصاب آخرين بجراح متفاوتة الخطورة، قبل أن يكتب السطر الأخير لملحمته البطولية، ويرتقي مقاتلا مقبلا مشتبكا.

يروي عمار نومة شقيق الشهيد، أن والدته زغردت ما إن بلغها خبر ارتقائه، أما والده الذي توفي سنة 1993 فكان يردد دائما: "الحمد لله أنني دفنت رجلا في فلسطين".

ميلود نومة

حلّق بطائرته من لبنان واشتبك مع جنود الاحتلال

شاهد الفيديو
Videography
ليس الزواري ونومة
فحسب
عشرات الأبطال
التونسيين
نحكي قصصهم!
ونسرد فتوحاتهم
مواكب "الإباء"

قائمة الشهداء التونسيين على طريق القدس، تمتد على مدى الجغرافيا والتاريخ، والأشواق من إفريقية إلى باب المغاربة، فلا تتسع كل مجلدات البلاغة وروايات حكائي السير لتفصيلها، لكن ملامحها العطرة وشخوصها ورموزها، ماثلة أبدا في الذكرى، منقوشة في الذاكرة.

فيصل الحشايشي

أصيل مدينة قابس، ولد سنة 1965 ودرس بكلية العلوم بتونس، استشهد إثر مشاركته في عملية فدائية جريئة ضد دورية للاحتلال جنوب لبنان على مشارف فلسطين سنة 1993.

Project 1

عمران المقدمي

ولد سنة 1961 في قفصة، وسافر إلى سوريا سنة 1984 ليلتحق بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان قائد مجموعة الفدائيين التي تسلّلت يوم 26 أفريل 1988 إلى مستوطنات شمال فلسطين المحتلّة لتنفيذ عمليّة فدائية. أسفرت العملية عن مقتل سبعة جنود من العدو، وأسر جنديين آخرين، واستشهاد المقدمي واثنين من رفاقه.

Project 3

خالد الجلاصي

ينحدر من منطقة "نصر الله" بولاية القيروان، عمل في مجال النجارة، قبل أن يتطوع في صفوف أحد فصائل المقاومة الفلسطينية منتصف الثمانينات، ويستشهد في عملية بطولية بمنطقة المنارة بالجليل الأعلى شمال فلسطين في 1988.

Project 2

سامي الحاج علي

من مواليد جزيرة جربة سنة 1967، استشهد خلال نصب كمين لقافلة صهيونية على الطريق الواقعة بين منطقة الطيبة جنوب لبنان ومستوطنة مكاف بفلسطين في 1995.

Project 4

رياض بن جماعة

من مواليد صفاقس 1968، كان طالبا في التاريخ والجغرافيا بكلية الآداب بمنوبة، قبل أن يتطوع صلب الفصائل الفلسطينية، ارتقى في عملية الطيبة الفدائية صحبة الشهيد رفيق سامي الحاج علي سنة 1995.

Project 5

كمال البدري ولد بمدينة المتلوي جنوب تونس في 1975، ينتمي إلى عائلة نضالية كان لها دور قيادي في العمل المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، انظم إلى الجبهة الشعبية القيادة العامة سنة 1995 استشهد في عملية فدائية بمنطقة السريرة، قضاء جزين جنوب لبنان 1996. بليغ اللجمي تلميذ من مواليد مدينة صفاقس سنة 1974، ينتمي إلى عائلة تربوية نقابية مناضلة، ارتقى صحبة الشهيد كمال البدري في العملية الفدائية نفسها ضد المحتل بجنوب لبنان سنة 1996.

عمر قطاط أصيل جزيرة قرقنة بصفاقس، كان موظفا وناشطا نقابيا بشركة السكك الحديدية التونسية قبل أن يلتحق بالعمل النضالي في فلسطين.
استشهد في ديسمبر 1992 حين كان بصدد إيصال الإمدادات للمبعدين الفلسطينيين في مرج الزهور جنوب لبنان. مقداد الخليفي من مواليد 1959 بمنطقة سبيطلة من ولاية القصرين، التحق بصفوف الجبهة الشعبية بداية عام 1990، واستشهد في نوفمبر من السنة ذاتها، أثناء مواجهة مع قوات الاحتلال في شبعا بالجنوب اللبناني. أسماء وسير تحكي قصة عشق أرض كانت وما تزال تسمى فلسطين، وتبارك مواكب إباء وشهادة خرجت في سبيلها. مواكب يقول عنها التونسيون: هؤلاء الأبطال منحونا فخرا نرجو أن نستحقه.. وأن نكون جديرين به.

تقرير استعلاماتي سرّي للغاية تحصلت عليه هيئة الدفاع عن الزواري.. هل يساعد في كشف شبكة الموساد بتونس؟

قافلة من التونسيين حملوا مشاعل الثورة والمقاومة، وأسهموا كل من موقعه وقدراته، في الجهد الفدائي والمقاوم، سواء على الصعيد الفكري، أو التعبوي الجماهيري، أو العمل المسلح، فضلا عن "الجهاد العلمي" بما حققه من طفرة تكنولوجية، أسهمت في ردم هوة التفوق التي ميزت الاحتلال طوال عقود، وكرست توازنا نوعيا وكميا لفائدة المقاومة، وفرضت معادلة من الردع أرعبت المحتلين وأسكنتهم الملاجئ.

ليسوا مجرد بيبليوغرافيا

الكتابة عن شهداء فلسطين أمر صعب ومعقد، فهي أعمق من مجرد استحضار بيبليوغرافيا الأسماء والتواريخ لعل الأمر أقرب إلى تجربة روحانية عميقة، أو مبحث عرفاني يجاوز السطوح إلى المتون، يحملك قريبا من كل اسم وشخصية ومسيرة، فتنصهر في تفاصيل سيرتها، وحكايتها، وعشقها لفلسطين حتى النفس الأخير، وتقلبات الرحلة التي حملت كلا منهم عبر دروب متباينة متباعدة، لتولي وجوهها صوب أولى القبلتين.

عشق القدس وفلسطين كان للتونسيين فيه نصيب وحكايات وإرث طويل من التضحية والدم والفداء.

وحين تتحدث عن "تونسيين على طريق القدس"، فعلى كلماتك أن تتطهر من كل معاجم العبارات الجاهزة، والمصطلحات المقولبة، وأن تغتسل من رجس الكتابة المناسباتية التي تختزل تلك الأيقونات الأسطورية في صورة نمطية أشبه بالفلكلور.

هم ملح الأرض وعبقها وروحها التواقة إلى الحرية، ودرب كرامتها التي أهدرت بين مطبات النكبات والهزائم والخيانات.

كتابة تتطلب استحضار معجم طهوري من العبارات، وأن تغمس الدواة في حبر العزة والإباء.

قد لا نجانب الصواب حين نقول، إن طيفا كبيرا من هؤلاء "السعداء" تعرفهم الأرض المقدسة من طبريا مرورا بحيفا والجليل، وصولا إلى النقب، بأكثر مما يعرفهم مواطنوهم وأبناء بلدهم، إذ تحفظ تفاصيلهم وملامحهم وتروي حكايتهم وتحدث عن كفاحهم، وخيارهم الحر الأصيل في الجهاد والاستشهاد.

قافلة من التونسيين حملوا مشاعل الثورة والمقاومة، وأسهموا كل من موقعه وقدراته، في الجهد الفدائي والمقاوم، سواء على الصعيد الفكري، أو التعبوي الجماهيري، أو العمل المسلح، فضلا عن "الجهاد العلمي" بما حققه من طفرة تكنولوجية، أسهمت في ردم هوة التفوق التي ميزت الاحتلال طوال عقود، وكرست توازنا نوعيا وكميا لفائدة المقاومة، وفرضت معادلة من الردع أرعبت المحتلين وأسكنتهم الملاجئ.

لأي ملاحظات أو تعديلات أو إضافات نرجو عدم التردد في التواصل معنا:
البريد الإلكتروني:
[email protected]
هاتف:
أرضي:
0021621347636
عنوان:
دائرة المكاتب، منطقة المركز العمراني الشمالي.
شكرا لك.. تم استقبال رسالتك
مع الأسف! لم نتمكن من إرسال رسالتك.. يرجى المحاولة لاحقا.